العام 2025.. رغم أهواله لكنه أبو الذكاء الاصطناعي
العام 2025.. رغم أهواله لكنه أبو الذكاء الاصطناعي
ها هو ذا عام 2025 يودّعُنا راحلاً غيرَ مأسوف عليه، مفسحاً المكان أمام عام 2026 ليحلَّ محلّه. لم يكن عاماً سهلاً، ومثل سابقه كان ثقيلَ الوطء، مشحوناً بالتوترات التي بلغت ذروتَها، حتى كاد العالم يختنقُ تحت ركام أحداثه، قبل أن يولّينا ظهرَه أخيراً، ويغادر بلا رجعة.
الإشكالية الحقيقية تكمن في «هوِيَّة» هذا العام؛ أي إلى مَن ننسبه؟
الأعوام في العادة بعد رحيلها لا تُنسب إلى العلماء، أو الأدباء، بل إلى أهل السياسة. واتساقاً مع تلك العادة، هل يمكننا مثلاً أن نطلق عليه «عام الرئيس دونالد ترامب» بلا منازع؟ وهو العام الذي عاد فيه إلى البيت الأبيض ليعيد رسم ملامح السياسة الدولية بقراراته المثيرة للجدل.
في عام 2024 اختارت مجلة «التايمز» الأمريكية، وصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية الرئيسَ ترامب رجل العام. هل ننسبه إلى شبح جيفري إبستين، ذاك المجرم الذي انتحر في زنزانته مخلفاً وراءه أسراراً تفجّرت في أواخر 2025، حين أفرجت وزارة العدل الأميركية عما بحوزتها من وثائق وصور أثارت الدنيا ولم تقعدها، وهزّت عروشاً وشخصيات كنا نظن أنها فوق الشبهات؟
على جبهة أخرى، قد يفضل بعضنا أن يُطلق عليه اسم «عام الرئيس بوتين»، بالنظر إلى ما حققته قواته من تقدم ميداني على كافة محاور القتال في أوكرانيا، أو من الممكن أن نطلق عليه كذلك «عام اليمين» في أميركا اللاتينية. إذ لم ينجح مرشح رئاسي يساري واحد في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في كل من هندوراس، وبوليفيا، وتشيلي، والإكوادور، إذ اختار الناخبون مرشحين يمينيين.
أما في جغرافيتنا العربية، فقد حفر العام ندوبه العميقة في فلسطين، ولبنان، وسوريا؛ حيث شهدنا السقوط المتسارع والدموي لـ«حزب الله» في لبنان، ولنظام حزب «البعث» في سوريا، وبزوغ سوريا الجديدة.
وفي الأيام القليلة الماضية، تابعنا عبر وسائل الإعلام خبر موافقة الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، في محاولة لإجهاض ولادة دولة فلسطينية، وانتهاك صريح لاتفاق الهدنة، وخطة الرئيس الأمريكي ترامب لإحلال السلام.
لم يتوقف الصخب عند السياسة، فقد كان العام 2025 عاماً صعباً على دول أوروبا، خصوصاً نتيجة بطء النمو الاقتصادي، وتعقُّد أزمة الحرب الأوكرانية، واستفحال أزمة الهجرة غير القانونية، وانعكاساتها السلبية على الأوضاع الداخلية.
من الممكن كذلك إطلاق اسم «عام الرسوم الجمركية» المخيفة التي فرضها الرئيس الأمريكي ترامب على صادرات دول عدة إلى بلاده، بوصفها حصاراً اقتصادياً ناعماً. ويمكننا أيضاً أن نطلق عليه عام الذكاء الاصطناعي، حيث زفَّ المختبر البشري للعالم «الانفجار الأكبر» من النضوج الكامل للذكاء الاصطناعي. هذا الاختراع الذي قفز بالإنسانية خطوات نحو المستقبل، لكنَّه ظلَّ -تماماً مثل اكتشاف الذرة- سلاحاً ذا حدين؛ قد يمنحنا الرفاهية المأمولة، وقد يهدد الملايين من البشر بالبطالة.
وفي زوايا العام الأخيرة، نحتت واشنطن مصطلحاً جديداً أُضيف إلى القاموس السياسي هو «إرهاب المخدرات»، لتضييق الخناق على فنزويلا بحصار بحري وجوي شامل، في مشروع يهدف إلى إسقاط النظام الحالي واستبدال آخر به يتوافق مع سياساتها الهادفة إلى وضع اليد على حقول النفط هناك.
وفي مفارقة لافتة، شهد هذا العام حدثين مميزين؛ الأول: سجن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وهو أول سابقة في تاريخ فرنسا. وسجن الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو عقب أحكام قضائية صدرت ضدهما، في حين تنفَّس خوان أورلاندو هيرنانديز وهو رئيس هندوراسي سابق الصعداء بخروجه من السجون الأمريكية، بصدور عفو غير متوقع من الرئيس الأمريكي ترامب.
عام 2025، رغم كل مساوئه، سيظل علامة فارقة في تاريخ التطور الإنساني، بانتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الحياة اليومية، وهذا ما يستحق أن نتذكره به.
* نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”











